مدونة منهاج السلف مدونة منهاج السلف
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

بعض أحكام الأضحية الشيخ علي فركوس حفظه الله

بعض أحكام الأضحية الشيخ علي فركوس حفظه الله

بعض أحكام الأضحية الشيخ علي فركوس حفظه الله

من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز علي فركوس حفظه الله
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .



يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً أما بعد: فهذه بعض أحكام الأضحية من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز علي فركوس حفظه الله و أطال في عمره و بارك الله له في علمه و عمله.



أما الفتاوى التي سأذكرها فهي :



1- حكم الأضحية في الشرع



2- أفضل الأنعام في الأضحية



3- السنِّ المجزئة في أضحية العيد



4- صفة ما تجوز التضحية به



Five- حكم الاشتراك في الأضحية



6- حكم تخصيص الأكل مِنَ الكبد في الأضحية



7- حكمِ مَنْ ذَبَح ليلةَ العيد







الفتوى رقم: ٨٨٥



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



1- في حكم الأضحية في الشرع



السؤال:



ما حكم الأضحية في الشرع؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فقَدِ اختلف العلماءُ في حكم الأضحية، فمذهبُ الجمهور استحبابُها خلافًا لمذهب القائلين بوجوبها على المُوسِر الذي يقدر عليها فاضلًا عن حوائجه الأصلية، وبه قال الأحنافُ وبعضُ المالكية(١)، وهو الأظهرُ ـ*عندي*ـ لِمَا رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:*«مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»(٢)، فالحديث نهى المُوسِرَ عن قربان المصلَّى إذا لم يُضَحِّ، فدلَّ على أنه تَرَك واجبًا باللزوم، فكأنَّ الصلاةَ عديمةُ الفائدةِ مع تركِ هذا الواجب، ويؤيِّده ما رواه مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال بعَرَفةَ:*«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»(٣)، وقد نُسِخَتِ العتيرةُ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:*«لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ»(٤)، ولا يَلْزَم مِنْ نسخِ العتيرةِ نسخُ الأضحية؛ إذ لا تلازُمَ بين الحكمين حتَّى يَلْزَم مِنْ رفعِ أحَدِ الحكمين رفعُ الآخَر، وممَّا يرجِّح هذا القولَ ما رواه جُنْدبُ بنُ سفيان البَجَليُّ رضي الله عنه قال:*«شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ:*«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ»»(٥)، وهو ظاهرُ الوجوب، لاسيَّما مع الأمر بالإعادة(٦).



هذا، وقد استدلَّ الجمهورُ بحديثِ أمِّ سَلَمةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:*«إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»(٧)، فإنَّ الحديث ـ*عندهم*ـ لا يدلُّ على وجوب الأضحية، بل غايةُ ما يدلُّ عليه استحبابُها؛ لأنَّ الواجب لا يُعَلَّق بالإرادة، كما استدلُّوا بحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:*«ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الوَتْرُ وَالنَّحْرُ وَصَلَاةُ الضُّحَى»(٨)، وصرفوا أدلَّةَ المُوجِبين بحديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال:«شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ وَقَالَ:*«بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٩)، كما استدلُّوا بالآثار المرويَّة عن أبي بكرٍ وعمر وأبي مسعودٍ رضي الله عنهم، فقَدْ أخرج عبد الرزَّاق والبيهقيُّ عن أبي سُرَيْحَةَ قال:*«رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ»(١٠)، وعن أبي وائلٍ قال: قال أبو مسعودٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه:*«إِنِّي لَأَدَعُ الأَضْحَى ـ*وَإِنِّي لَمُوسِرٌ*ـ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ»(١١).



وما تَمسَّك به الجمهورُ مِنْ أدلَّةٍ لا يصلح لصَرْفِ أدلَّة المُخالِفين عن الوجوب، فقَدْ أجاب ابنُ تيمية ـ*رحمه الله*ـ على نُفاةِ الوجوب بقوله:*«وأمَّا الأضحية فالأظهرُ وجوبُها أيضًا، فإنَّها مِنْ أعظمِ شعائر الإسلام، وهي النُّسُكُ العامُّ في جميع الأمصار، والنُّسُكُ مقرونٌ بالصلاة في قوله:*﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢﴾*[الأنعام]، وقد قال تعالى:*﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢﴾*[الكوثر]، فأَمَر بالنَّحر كما أَمَر بالصلاة...»، ثمَّ قال:*«ونُفاةُ الوجوب ليس معهم نصٌّ؛ فإنَّ عمدتهم قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:*«مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ العَشْرُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ»، قالوا: والواجبُ لا يُعلَّق بالإرادة. وهذا كلامٌ مُجْمَلٌ؛ فإنَّ الواجب لا يُوكَلُ إلى إرادة العبد فيقالَ: إِنْ شئتَ فافْعَلْه، بل قد يُعلَّق الواجبُ بالشرط لبيانِ حكمٍ مِنَ الأحكام كقوله:*﴿إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ*﴾*[المائدة: ٦]، وقد قدَّروا فيه:*«إذا أردتم القيامَ»، وقدَّروا:*«إذا أرَدْتَ القراءةَ فاسْتَعِذْ»، والطهارةُ واجبةٌ والقراءةُ في الصلاة واجبةٌ، وقد قال:*﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٧*لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨﴾*[التكوير]، ومشيئةُ الاستقامةِ واجبةٌ»(١٢).



أمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما فضعيفٌ، وله طُرُقٌ أخرى كُلُّها ضعيفةٌ لا تصلح للاحتجاج، فضلًا عن كونها مُعارِضةً للأحاديث الثابتة المرفوعة.



وحديثُ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما يَسَعُ معه الجمعُ بأَنْ تُحْمَل تضحيةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على كونها عن غير المُوسِرين مِنْ أُمَّته كما يُفيدُه قولُه:*«مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»*مع قوله:*«.. عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً ..».



وأمَّا الاستدلال بالآثار المرويَّة عن أبي بكرٍ وعمر وأبي مسعودٍ رضي الله عنهم في سقوطِ وجوبِ الأضحية فإنَّ الصحابة اختلفوا في حُكْمِها، والواجبُ التخيُّرُ مِنْ أقوالهم ما يُوافِقه الدليلُ وتدعِّمه الحُجَّة، وهي تشهد للقائلين بالوجوب على المُوسِر، ومِنْ جهةٍ أخرى فإنَّ الآثار المرويَّةَ موقوفةٌ مُعارِضةٌ للنصوص المرفوعة المتقدِّمة، و«المَرْفُوعُ مُقَدَّمٌ عَلَى المَوْقُوفِ»*على ما هو مقرَّرٌ أُصوليًّا.



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ٣٠ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ



الموافق ﻟ: ٠٦/ ٠٤/ ٢٠٠٨م



(١)*انظر:*«بداية المجتهد»*لابن رشد (١/ ٤٢٩)،*«المحلَّى»*لابن حزم (٧/ ٣٥٥)،*«المغني»*لابن قدامة (٨/ ٦١٧)،*«المجموع»للنووي (٨/ ٣٨٥)،*«فتح الباري»*لابن حجر (١٠/*٣)،*«شرح فتح القدير»*لقاضي زادة (٩/ ٥١٩)،*«سُبُل السلام»للصنعاني (٤/ ١٧٨).



(٢)*أخرجه ابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٣)، وأحمد في*«المسند»*(٨٢٧٣)، والحاكم (٧٥٦٥) وصحَّح إسنادَه ووافقه الذهبيُّ، وحسَّنه الألبانيُّ في*«تخريج مشكلة الفقر»*(١٠٢)،*وصحَّحه في*«صحيح الجامع»*(٦٤٩٠)،*وانظر:*«نصب الراية»*للزيلعي (٤/ ٢٠٧).



(٣)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥١٨)،*والنسائيُّ في*«الفَرَع والعتيرة»*(٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)،*مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه. وقوَّاه ابنُ حجرٍ في*«الفتح»*(٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق*«جامع الأصول»*(٣/ ٣١٦)، وحسَّنه الألبانيُّ في*«المشكاة»*ـ*التحقيق الثاني*ـ (١٤٧٨).



(٤)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«العقيقة»*باب*الفَرَع*(٥٤٧٣)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٧٦)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.



(٥)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الأضاحي»*باب: مَنْ ذَبَح قبل الصلاةِ أعاد*(٥٥٦٢)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٠)، مِنْ حديث جُندب بنِ سفيان البَجَليِّ رضي الله عنه.



(٦)*«السيل الجرَّار»*للشوكاني (٤/ ٧٤).



(٧)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٧٧) مِنْ حديثِ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها.



(٨)*أخرجه أحمد (٢٠٥٠)، والبيهقيُّ في*«الكبرى»*(٤٤٥٩). قال ابنُ حجرٍ في*«التلخيص الحبير»*(٢/ ٤٥):*«وأطلق الأئمَّةُ على هذا الحديثِ الضعفَ كأحمد والبيهقيِّ وابنِ الصلاح وابنِ الجوزيِّ والنوويِّ وغيرِهم»،*وانظر:*«السلسلة الضعيفة»*للألباني (٦/ ٤٩٤).



(٩)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابٌ في الشاة يُضحَّى بها عن جماعةٍ (٢٨١٠)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥٢١)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.*وحسَّنه ابنُ حجرٍ في*«المطالب العالية»*(٣/ ٣٢)،*وصحَّحه الألبانيُّ في«الإرواء»*(١١٣٨).



(١٠)*أخرجه عبد الرزَّاق (٨١٣٩)، والبيهقيُّ (١٩٠٣٦).



(١١)*أخرجه عبد الرزَّاق (٨١٤٩)، والبيهقيُّ (١٩٠٣٨).



(١٢)*«مجموع الفتاوى»*لابن تيمية (٢٣/ ١٦٢ ـ ١٦٣).



* * *



الفتوى رقم: ١١٦٢



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



2- في أفضل الأنعام في الأضحية


السؤال:

هل تجوز الأضحية بالمعز؟ وما هو الأفضلُ في الأضحية؟ وجزاكم الله خيرًا.


الجواب:


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فلا يجزئ في الأضحية إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى:*﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰم﴾*[الحج: ٣٤]، وهي أزواجٌ ثمانيةٌ تصحُّ مِنَ الجنسين(١)، متمثِّلةً في: الجمل والناقة، والثور والبقرة، والكبش والنعجة، والتيس والعنز، ولكِنْ لا يجزئ مِنَ المعز إلَّا الثنيُّ وهو ما له سنةٌ فما فوقه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:*«لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(٢)، وأمَّا الجَذَعُ مِنَ المعز فقَدْ نَقَل ابنُ عبد البرِّ ـ*رحمه الله*ـ إجماعَ العلماء على عدمِ إجزائها في الأضحية(٣).



وأفضلُ الضحايا ـ*عند الجمهور*ـ يظهر على هذا الترتيب: الإبل ثمَّ البقر ثمَّ الغنم، وهذا الأخير على نوعين: الضأن ويليه المعز، وممَّا استدلُّوا به قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:*«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، ..»(٤)، وعلَّلوا الأفضليةَ بغلاء الثمن وهي علَّةٌ منصوصةٌ في حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:*«فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟»*قَالَ:*«أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»(٥)، ولا يخفى أنَّ الإبل والبقر*أعلى ثمنًا وَأكثرُ نفعًا وأكبرُ أجسامًا وأعودُ فائدةً:*حُمولةً وطعمًا.



وخالَفَ في ذلك المالكيةُ ورتَّبوا الأفضليةَ على علَّة طِيب اللحم، فكان أفضلُها: الضأنَ ثمَّ البقر ثمَّ الإبل، واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى:*﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧﴾*[الصافَّات]، أي: بكبشٍ عظيمٍ، ولأنَّ:«النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ..»(٦)،*وهو*صلَّى الله عليه وسلَّم*لا يفعل إلَّا الأفضل.



والظاهر ـ*عندي*ـ أنَّ مذهب الجمهور أقوى*تقديمًا لقول النبيِّ*صلَّى الله عليه وسلَّم*على فعلِه،*ولأنه ـ*بغضِّ النظر عن استدلالهم بالدليل المبيِّن لمَقامِ الأفضلية بين بهيمة الأنعام*ـ فقد علَّلوا أفضليةَ الترتيب بعلَّةٍ منصوصٍ عليها، بينما المالكية علَّلوا بعلَّةٍ مُستنبَطةٍ، وما هو مقرَّرٌ ـ*أصوليًّا*ـ في بابِ قواعدِ الترجيح بالمعاني أنَّ العلَّة المنصوص عليها مقدَّمةٌ على غير المنصوص عليها؛ لأنَّ نصَّ صاحبِ الشرع عليها دليلٌ على صحَّتها وتنبيهٌ على لزوم اتِّباعها، ولأنَّ النبيَّ*صلَّى الله عليه وسلَّم*قد يترك الأفضلَ لبيانِ الجواز أو لِفِعْلِ الأيسر، ولكِنْ يمكن توجيهُ مذهب المالكية على أنَّ المضحِّيَ بالضأن أفضلُ مِنَ الشريك المُقاسِمِ في الإبل أو في البقر، هو رأيٌ له اعتبارُه ووجاهتُه.



هذا، وإذا كان الأفضلُ في أنواع بهيمة الأنعام ما رتَّبه الجمهورُ،*وتقرَّرَتْ صحَّةُ الأضحية مِنَ الجنسين إلَّا أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ منها بالأنثى؛ لعمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضل الرِّقاب:*«أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا».



أمَّا لون الأضحية فأفضلُها البيضاء (العفراء) وهي أفضلُ مِنَ السوداء؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضحَّى بكبشين أملحين، والأملح: الأبيض الخالص البياض (٧)، وإذا كان السوادُ حول عينيها وفمِها وفي رجلَيْها أَشْبَهَتْ أضحيةَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٨)، قال النوويُّ ـ*رحمه الله*ـ:*«أفضلُها البيضاء ثمَّ الصفراء ثمَّ الغبراء ـ*وهي التي لا يصفو بياضُها*ـ ثمَّ البلقاء ـ*وهي التي بعضُها أبيضُ وبعضها أسودُ*ـ ثمَّ السوداء، وأمَّا قولُه في الحديث الآخَرِ:*«يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ»(٩)*فمعناه أنَّ قوائمه وبطنَه وما حول عينيه أسودُ»(١٠).



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر: ١٣ رمضان ١٤٣٤ﻫ



الموافق ﻟ: ٢٢ جويلية ٢٠١٣م







(١)*لقوله تعالى:*﴿ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا﴾[الأنعام: ١٤٣ـ ١٤٤]. هذا، وليس في ترتيب الضأن والمعز قبل الإبل والبقر في الآية تقديم أفضلية لنوعها، وإنما هو أسلوبٌ قرآنيٌّ بديعٌ يتجلَّى فيه الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى.



(٢)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٣) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.



(٣)*انظر:*«التمهيد»*لابن عبد البرِّ (٢٣/ ١٨٥).



(٤)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الجمعة»*بابُ فضلِ الجمعة (٨٨١)، ومسلمٌ في*«الجمعة»*(٨٥٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.



(٥)*أخرجه*أحمد (٢١٥٠٠)مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«صحيح الجامع»*(١١٠٥)،*وفي روايةٍ:«أَعْلَاهَا ثَمَنًا...»: أخرجها*البخاريُّ في*«العتق»*باب: أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟ (٢٥١٨)، وفي أخرى:*«وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا..»: أخرجها*مسلمٌ في*«الإيمان»*(٨٤).



(٦)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الأضاحي»*بابُ وضعِ القدم على صَفْحِ الذبيحة (٥٥٦٤)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»(١٩٦٦)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.



(٧)*انظر:*«شرح مسلم»*للنووي (١٣/ ١٢٠).



(٨)*انظر:*«مجموع الفتاوى»*لابن تيمية (٢٦/ ٣٠٨).



(٩)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٧) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.



(١٠)*«شرح مسلم»*للنووي (١٣/ ١٢٠).



* * *



الفتوى رقم: ٨٣٠



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



3- في السنِّ المجزئة في أضحية العيد







السؤال:



ما هو سنُّ*الشاة المجزئة في أضحية العيد؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فالأصلُ في الأُضحية أنه لا يجزئ منها إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى:*﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰم﴾*[الحج: ٣٤]، وهي الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام(١)، وهي: الإبلُ والبقر والغنم ـ*وهي نوعان: الضأنُ والمعز*ـ ذكورُها وإناثُها وإِنْ كانَتْ تصحُّ بالجنسين، غير أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ مِنَ الأنثى لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضلِ الرِّقاب:*«أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»(٢)، أمَّا السنُّ المُجْزِئة فالثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ:



فالثَّنِيَّةُ مِنَ الإبل:*ما له خمسُ سنين ودَخَل في السادسة.



والثنيَّة مِنَ البقر:*ما له سنتان ودَخَل في الثالثة.



والثنيَّة مِنَ الضأن:*ما له سنةٌ ودَخَل في الثانية.



والثنيَّة مِنَ المعز:*ما له سنةٌ ودَخَل في الثانية.



ولا يجزئ في الأضحية دون هذا السنِّ فيها جميعًا، باستثناءِ ما إذا تَعسَّر الثَّنِيُّ مِنَ الضَّأْنِ؛ فإنه يجزئ الجَذَعُ وهو: ما له ستَّةُ أشهرٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:*«لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(٣)، فظاهرُ الحديثِ يقتضي عَدَمَ إجزاء الجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ إلَّا عند العَجْزِ عن المُسِنَّةِ، أمَّا الأحاديثُ الواردةُ في جواز الجذع مِنَ الضأن في الأضحية فإنَّ الصحيحَ منها يُحْمَلُ على العجز عن المُسِنَّة لعدمِ وجودها في الحال أو لغلاءِ سِعرها؛ لحديث عاصم بنِ كُلَيْبٍ عن أبيه قال:*«كُنَّا نُؤَمِّرُ عَلَيْنَا فِي الْمَغَازِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَكُنَّا بِفَارِسَ فَغَلَتْ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ الْمَسَانُّ، فَكُنَّا نَأْخُذُ الْمُسِنَّةُ بِالْجَذَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَامَ فِينَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ فَقَالَ:*«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَأَصَابَنَا مِثْلُ هَذَا الْيَوْمِ فَكُنَّا نَأْخُذُ الْمُسِنَّةَ بِالْجَذَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:*«إِنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ»»»(٤).



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ١٤ من المحرَّم ١٤٢٩ﻫ



الموافق ﻟ: ٢٢/ ٠١/ ٢٠٠٨م



*



(١)*قال تعالى:*﴿ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡن﴾[الأنعام: ١٤٣ـ ١٤٤].



(٢)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«العتق»*باب: أيُّ الرِّقابِ أفضلُ؟ (٢٥١٨)، ومسلمٌ في*«الإيمان»*(٨٤)، مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.



(٣)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٣) مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه.



(٤)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابُ ما يجوز مِنَ السنِّ في الضحايا (٢٧٩٩)، والنسائيُّ في*«الضحايا»*باب المُسِنَّة والجَذَعة (٤٣٨٣)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*بابُ ما تجزئ مِنَ الأضاحي (٣١٤٠)، والحاكم (٧٥٣٨)، مِنْ حديثِ مُجاشِعِ بنِ مسعودٍ*السُّلَميِّ*رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«الإرواء»*(١١٤٦).



* * *



الفتوى رقم: ١١٦٨



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



Four- في صفة ما تجوز التضحية به







السؤال:



ما حكم مكسورة القرن في الأضحية؟ وهل يُشترط كمال السلامة في الإجزاء؟ وكيف نجمع بين حديث عليٍّ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»(١)، وبين قول عليٍّ رضي الله عنه عندما سئل عن مكسورة القرن قال: «لاَ يَضُرُّكَ»(٢)؟ أفيدونا مأجورين.



الجواب:



الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فقد نصَّت السنَّة المطهَّرة على العيوب التي تُرَدُّ بها الأضحية فلا تُجزئ معها باتِّفاق العلماء وهي:



• العوراء البيِّنُ عَوَرُها بحيث يغشى البياضُ معظمَ ناظرها، وتدخل العمياءُ دخولاً أولويًّا.



• المريضة البيِّنُ مرضُها، أمَّا خفيفة المرض فتُجزئ بمقتضى دليل خطابِ النصِّ الآتي ذكرُه.



• العرجاء البيِّنُ عَرَجُها أو ظَلْعُها، ويدخل في هذا المعنى بالأحروية مقطوعةُ الرجل والمكسورتها.



• العجفاء التي لا تُنْقِي، وهي الهزيلة التي لا مخَّ في عظامها لضعفها وهزالها.



ويدلُّ على ذلك حديث البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:*«أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ فِي الأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقِي»(٣).



وشرط البراءة مِن هذه العيوب المذكورة محلُّ إجماعٍ بين أهل العلم، قال النوويُّ -رحمه الله-: «وأجمعوا على أنَّ العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو: المرض والعَجَف والعَوَر والعَرَج البيِّن لا تُجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبحَ كالعمى وقطعِ الرجل وشبهه»(٤).



أمَّا مكسورة القرن أو جزءٍ منه أو مشقوقةُ الأذُنِ فهي العضباء على خلافٍ في تحديد معناها، فحكمُها مختلَفٌ فيه للاختلاف في درجة الحديث الدائرة بين الحسن والضعف.



فمَن حسَّن حديثَ عليٍّ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»، وجاء مبيَّنًا بقول قتادة: «فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «العَضْبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ»»(٥)، فقد دفع التعارضَ مع قول عليٍّ رضي الله عنه -عندما سئل عن مكسورة القرن- فقال: «لاَ يَضُرُّكَ» بأنْ حَمَل «العَضَبَ» في الحديث المرفوع على عدم الإجزاء إذا كان المكسور منه النصفَ فأكثر، أمَّا قوله: «لا يضرُّك» فقَدْ حَمَله على الإجزاء فيما دون النصف، وبذلك دفع التعارضَ بينهما، وبهذا قال النخعيُّ وأبو يوسف ومحمَّد بنُ الحسن وغيرُهم(٦).



ومن ضعَّف حديثَ النهي عن مكسورة القرن ولم يثبت عنده نهيٌ عن العَضَب وعَمِل بمقتضى حديث عليٍّ رضي الله عنه: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ»(٧)، ورأى أنَّ مكسورة القرن ومشقوقة الأذن عيبٌ لا ينقص اللحمَ ولا يُخِلُّ بالمقصود؛ قال بكراهية التنزيه في الأضحية التي تقترن بها هذه العيوبُ ويحصل بها الإجزاء، لأنَّ حديث عليٍّ رضي الله عنه في استشراف العين والأذن ليس فيه ما يدلُّ على عدم الإجزاء، وإنما يدلُّ على اجتناب ما فيه شقٌّ أو قطعٌ أو ثقبٌ ونحوُ ذلك. قال ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: «العلماء مجمعون على أنَّ الجمَّاء [وهي التي لم يُخلق لها قرنٌ] جائزٌ أن يضحَّى بها، فدلَّ إجماعُهم هذا على أنَّ النقص المكروه هو ما تتأذَّى به البهيمةُ وينقص مِن ثمنها ومِن شحمها»(٨)، وإذا جازت التضحية بالجمَّاء فلَأَنْ تجوز بالعضباء التي ذهب أكثرُ مِن نصف قرنها مِن بابٍ أَوْلى(٩).



ويدخل في هذا المعنى -أيضًا- العيوبُ الأخرى التي لا تأثير لها في الحكم لعدم صحَّة النهي عنها، فإنها تُجزئ في الأضحية -على الصحيح- وتُكره لكونها تنافي كمالَ السلامة كالبتراء مقطوعةِ الألية أو الذنَب، والجدعاءِ مقطوعةِ الأنف، والهتماء التي لا أسنان لها. قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وتُكره المشقوقة الأذُنِ، والمثقوبةُ، وما قُطع شيءٌ منها؛ لِما روي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ وَالأُذُنَ، وَلاَ نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلاَ مُدَابَرَةٍ، وَلاَ خَرْقَاءَ وَلاَ شَرْقَاءَ، قال زهيرٌ: قلت لأبي إسحاق: «ما المقابَلة؟» قال: «يُقطع طرفُ الأذن»، قلت: «فما المدابَرة؟» قال: «يُقطع من مؤخَّر الأذن»، قلت: «فما الشرقاء؟» قال: «تُشَقُّ الأذنُ»، قلت: «فما الخرقاء؟» قال: «تَشُقُّ أذُنَها السِّمَةُ»» .. وهذا نهيُ تنزيهٍ، ويحصل الإجزاءُ بها، لا نعلم فيه خلافًا؛ ولأنَّ اشتراط السلامة مِن ذلك يشقُّ، إذ لا يكاد يوجد سالمٌ من هذا كلِّه»(١٠)، انتهى كلام ابن قدامة.



هذا، وتُجزئ الأضحية بالمَوْجوء والخَصِيِّ لأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ -أي: خَصِيَّيْن-»(١١)، قال ابن قدامة -رحمه الله- -في جوازه-: «ولا نعلم فيه مخالفًا»(١٢).



والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ١٥ من ربيع الثاني ١٤٣٥ﻫ



الموافق ﻟ: ١٥ فـبـرايـر ٢٠١٤م



(١)*أخرجه أحمد (١٠٤٧)، وأبو داود في «الضحايا» باب ما يُكره من الضحايا (٢٨٠٥)، والترمذي في «الأضاحي» بابٌ في الضحيَّة بعضباء القرن والأذن (١٥٠٤)، وصحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لسنن الترمذي» (٢/ ٥٢)، وحسَّنه محقِّقو «مسند أحمد» طبعة الرسالة (٢/ ٣١٠)، وضعَّفه الألباني في «ضعيف الجامع الصغير» (٦٠١٦)، وقال في «الإرواء» (١١٤٩): «منكر».



(٢)*أخرجه أحمد (٧٣٤)، وانظر: «الإرواء» (٤/ ٣٦٢).



(٣)*أخرجه أبو داود في «الضحايا» باب ما يُكره من الضحايا (٢٨٠٢) والنسائي في «الضحايا» ما نُهي عنه من الأضاحي: العوراء (٤٣٦٩)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب ما يُكره أن يضحَّى به (٣١٤٤)، وغيرهم من حديث البراء بن عازبٍ رضي الله عنه. وهو حديثٌ صحيحٌ. انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٢١٣)، و«البدر المنير» لابن الملقِّن (٩/ ٢٨٦)، و«التلخيص الحبير» لابن حجر (٤/ ٣٤٦)، و«الإرواء» للألباني (٤/ ٣٦١)



(٤)*«شرح مسلم» للنووي (١٣/ ١٢٠)، وانظر «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٢١٥).



(٥)*صحَّحه الترمذي والحاكم، وضعَّفه أبو داود والألباني. انظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (٩/ ٢٩٣)، و«الإرواء» للألباني (٤/ ٣٦١).



(٦)*انظر: «المغني» لابن قدامة (٨/ ٦٢٤).



ومذهب الجمهور أنه تُجزئ مكسورةُ القرن، أمَّا مالكٌ ففرَّق بين ما إذا كان قرنُها يدمى فلا تجوز كراهةً وإلاَّ جازت [انظر: «المجموع» للنووي (٨/ ٤٠٤)، «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٢١٩)].



(٧)*أخرجه أبو داود في «الضحايا» باب ما يُكره من الضحايا (٢٨٠٤)، والترمذي في «الأضاحي»*باب ما يُكره من الأضاحي (١٤٩٨)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه، وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٢٩١)، والألباني في «الإرواء» (٤/ ٣٦٢).



(٨)*«الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٢١٨).



(٩)*قال ابن عبد البرِّ في [«الاستذكار» (٥/ ٢١٩)]: «وفي إجماعهم على إجازة الضحيَّة بالجمَّاء ما يبيِّن لك أنَّ حديث القرن لا يثبت ولا يصحُّ، أو هو منسوخٌ؛ لأنه معلومٌ أنَّ ذهاب القرنين معًا أكثرُ مِن ذهاب بعض أحدهما».



قلت:*وقد خالف في ذلك بعض الحنابلة [انظر: «المغني» (٨/ ٦٢٦)].



(١٠)*«المغني» لابن قدامة (٨/ ٦٢٦).



(١١)*أخرجه أحمد (٢٥٨٤٢)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب أضاحي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٣١٢٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٢٩٩)، والبوصيري في «مصباح الزجاجة» (٣/ ٢٢٢)، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (٤/ ٣٥١).



(١٢)*«المغني» لابن قدامة (٨/ ٦٢٥)، وقال: «والوجأ رضُّ الخصيتين، وما قُطعت خصيتاه أو شُلَّتا فهو كالموجوء».



* * *



الفتوى رقم: ٥٧٨



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



Five- في حكم الاشتراك في الأضحية



السؤال:



ما حُكمُ الشرعِ في الاشتراك في الأضحية سواءٌ مِنْ حيث الثمنُ أو مِنْ حيث الثوابُ، وذلك في البَدَنَة والبقرة والشِّيَاه، خاصَّةً وأنَّ حديثَ جابرٍ رضي الله عنه تَطرَّق للحديث عن البَدَنة والبقرة فقط(١)؟



•*هل تَمَّ الاشتراكُ في الأُضحية في عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم خاصَّةً في الشاة؟



•*هل أجمع العلماءُ خاصَّةً الأئمَّة الأربعة على عدم الاشتراك في الشاة مِثْل ما جاء في*«بداية المجتهد»(٢)؟



•*هل تَكلَّم العلماءُ في الاشتراك في الشاة ممَّنْ كانَتْ تجمعهم نفقةٌ واحدةٌ أي: أنَّ ربَّ البيت يأخذ كُلَّ شهرٍ نصيبًا مِنِ ابنه للنفقة على البيت وحين يَحِلُّ العيدُ يأخذ مِنْ ذلك لشراء الشاة؟



•*هل يصحُّ الاستدلالُ بحديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه:*«كُنَّا وَقُوفًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ فَقَالَ:*«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍّ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»»(٣)، وسندُه حَسَنٌ عند بعضِ العلماء، إلَّا أنَّنا سَمِعْنا أنه ضعيفٌ على هذا المنوال، وإنما الصحيحُ قولُه ابتداءً مِنْ:*«عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ…».



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فالاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:*«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»(٤)، والحديثُ يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص: سبعة أنفارٍ للبقرة، وعشر أَنْفُسٍ للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين مِنْ حديثِ رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم«عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ»(٥).



أمَّا الشاة فالاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ الشاة لا تُجْزئ إلَّا عن نفسٍ واحدةٍ، وهو قولُ عبد الله بنِ المبارَك وغيرِه مِنْ أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِنِ ابنِ رُشْدٍ والنوويِّ الإجماعَ على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقِضٌ بما حكاه الترمذيُّ في*«سُنَنِه»*أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال:«والعملُ على هذا عند أهل العلم»، وهو قولُ أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال:«شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ، وَقَالَ:*«بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٦).



وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهلِ بيته لِمَا رواه ابنُ ماجه والترمذيُّ وصحَّحه مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال:*«كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»(٧)، غير أنَّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تُجْزئهم بالتَّبَعِ، ودليلُه حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ففيهما دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقةً؛ إذ ليس مقرونًا بلفظِ أهلِ البيت المذكور في حديثِ أبي أيُّوب رضي الله عنه السابق، فإنَّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكَرْنا أنَّ الزوجة مثلًا لو تَمَتَّعَتْ بالحجِّ أو قَرَنَتْ لَمَا كان يكفي هديُ زوجها في الإجزاء عنها؛ فَدَلَّ على أنَّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثوابُ الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى.



أمَّا حديثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه فقَدْ أخرجه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ وغيرُهم وفي إسناده أبو*رملة واسْمُه عامرٌ، قال الخطَّابيُّ ـ*رحمه الله*ـ: هو مجهولٌ والحديثُ ضعيفُ المَخْرَج(٨)، وقال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ ـ*رحمه الله*ـ:*«حديثُ مِخْنَفِ بنِ سُلَيْمٍ ضعيفٌ فلا يُحتجُّ به»(٩)، كما ضعَّفه عبد الحقِّ وابنُ القطَّان لعلَّةِ الجهل بحالِ أبي رملة، ورواه عنه ابنُه حبيبُ بنُ مِخْنَفٍ وهو مجهولٌ أيضًا(١٠)، وقد رواه مِنْ هذا الطريقِ عبدُ الرزَّاق في*«مصنَّفه»، ومِنْ طريق عبد الرزَّاق رواه الطبرانيُّ في*«معجمه»*بسنده، والبيهقيُّ في*«المعرفة»؛ لذلك حسَّنه الألبانيُّ في*«صحيح أبي داود»(١١)*وفي*«صحيح سنن الترمذي»(١٢)*وفي«صحيح ابن ماجه»(١٣).



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ٧ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ



الموافق ﻟ: ١٥ أفريل ١٩٩٧م



*



(١)*انظر أحاديثَ جابرٍ رضي الله عنه التي رواها مسلمٌ في*«الحجِّ»*(١٢١٣، ١٣١٨).



(٢)*(١/ ٤٢٠).



(٣)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥١٨)، والنسائيُّ في*«الفَرَع والعتيرة»*(٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)، مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه.*وقوَّاه ابنُ حجرٍ في*«الفتح»*(٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق*«جامع الأصول»*(٣/ ٣١٦)،وحسَّنه الألبانيُّ في*«المشكاة»*ـ*التحقيق الثاني*ـ (١٤٧٨).



(٤)*أخرجه الترمذيُّ في*«الأضاحي»*بابُ ما جاء في الاشتراك في الأضحية (١٥٠١)، والنسائيُّ في*«الضحايا»*بابُ ما تجزئ عنه البَدَنةُ في الضحايا (٤٣٩٢)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (٣١٣١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه ابنُ القطَّان في*«الوهم والإيهام»*(٥/ ٤١٠)، وقال ابنُ الملقِّن في*«البدر المنير»*(٩/ ٣٠٤):*«جميعُ رجالِه ثِقَاتٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في*«المشكاة»*(١٤٦٩).



(٥)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الشركة»*بابُ قسمةِ الغنم (٢٤٨٨)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٨)، مِنْ حديثِ رافع بنِ خديجٍ رضي الله عنه.



(٦)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابٌ في الشاة يُضحَّى بها عن جماعةٍ (٢٨١٠)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥٢١)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وحسَّنه ابنُ حجرٍ في*«المطالب العالية»*(٣/ ٣٢)، وصحَّحه الألبانيُّ في«الإرواء»*(٤/ ٣٤٩) رقم: (١١٣٨).



(٧)*أخرجه الترمذيُّ في*«الأضاحي»*بابُ ما جاء: أنَّ الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت (١٥٠٥)، وابنُ ماجه في«الأضاحي»*بابُ مَنْ ضحَّى بشاةٍ عن أهله (٣١٤٧)، مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«الإرواء»*(١١٤٢).



(٨)*انظر:*«معالم السنن»*للخطَّابي (٣/ ٢٢٦).



(٩)*«عارضة الأحوذي»*لابن العربي (٦/ ٣٠٤).



(١٠)*انظر:*«نصب الراية»*للزيلعي (٤/ ٢١١).



(١١)*«صحيح أبي داود»*(٢/ ١٨٣) رقم: (٢٧٨٨).



(١٢)*«صحيح سنن الترمذي»*(٢/ ١٦٥) رقم: (١٥١٨).



(١٣)*«صحيح ابن ماجه»*(٣/ ٨٢) رقم: (٣١٢٥).



* * *



الفتوى رقم: ٥٤٤



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



6- في حكم تخصيص الأكل مِنَ الكبد في الأضحية



السؤال:



كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُفْطِرُ في الأضحى حتَّى يأكلَ مِنْ أضحيتِه، فهل الأكلُ عامٌّ في أيِّ جزءٍ مِنَ الأُضحية أم ـ*كما يقول العامَّةُ*ـ مِنَ الكَبِدِ؟ وما حكمُ تخصيصِ الأكلِ مِنَ الكبد؟ وبارك الله فيكم.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فالثابتُ مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال:*«كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ»(١)، وفي روايةٍ:*«وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَذْبَحَ»(٢)، وفي روايةٍ:«وَلَا يَطْعَمُ يَوْم النَّحْرِ حَتَّى يَنْحَرَ»(٣)، وفي روايةٍ:*«حَتَّى يُضَحِّيَ»(٤)، وفي حديثٍ آخَرَ:*«وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ»(٥)، وزاد أحمد وغيرُه:*«فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ»(٦).



والحكمةُ مِنْ فِعْلِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مُوافَقَتُهُ للفقراء ـ*كما ذَهَب إليه أهلُ العلم*ـ؛ لأنَّ الظاهرَ أَنْ لا شيءَ لهم إلَّا ما أطعَمَهُمُ النَّاسُ مِنْ لحومِ الأضاحِي، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاة، بخلاف صدقةِ الفِطْرِ، فإنها متقدِّمةٌ عن الصلاة، وقد ذُكِرَتْ حِكمةٌ أخرى وهي: لِيَكُونَ أَوَّلُ ما يَطْعَمُ مِنْ أضحيته بأكلها شكرًا لله تعالى على ما أنعم به مِنْ شرعية النسيكة الجامعةِ لخير الدنيا وثواب الآخرة، وامتثالًا لقوله تعالى:*﴿فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ ٢٨﴾*[الحج]، سواءٌ قِيلَ بوجوبه أو بِسُنِّيَّته، وقد خصَّص بعضُ أهلِ العلم استحبابَ تأخيرِ الأكل في عيد الأضحى حتَّى يرجع بمَنْ له ذِبحٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذْ أخَّر الفطرَ في الأضحى إنما أَكَل مِنْ ذبيحته(٧).



هذا، وقد وَرَدَتْ سُنَّتُهُ في مُطْلَقِ الأكلِ مِنْ غيرِ تحديدِ عُضْوٍ أو تخصيصِ مَوْضِعٍ، وإنما استحبَّ الأكلَ مِنْ كَبِدِ ذبيحته بعضُ العلماء كالشافعيِّ(٨)*وغيرِه اعتمادًا على حديثِ بُرَيْدة رضي الله عنه قال:*«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَأْكُلَ شَيْئًا، وَإِذَا كَانَ الأَضْحَى لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ أَكَلَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَتِهِ»، والحديثُ ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ(٩)، غير أنَّ استحباب الأكل مِنَ الكبد خاصَّةً جارٍ العملُ به في العادة لكونِ الكبدِ أخفَّ الأعضاءِ انتزاعًا وأسرعَ نُضْجًا وأسهلَ هضمًا.



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ٢٦ من ذي القعدة ١٤٢٧ﻫ



الموافق ﻟ: ١٧ ديسمبر ٢٠٠٦م



*



(١)*أخرجه الترمذيُّ في*«العيدين»*بابٌ في الأكل يومَ الفطر قبل الخروج*(٥٤٢) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيب الأسلميِّ رضي الله عنه. قال ابنُ الملقِّن في*«البدر المنير»*(٥/ ٧٠):*«حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في*«مشكاة المصابيح»(١٤٤٠).



(٢)*أخرجه ابنُ خزيمة (١٤٢٦)، وأحمد (٢٣٠٤٢)، والبيهقيُّ في*«الكبرى»*(٦١٥٩). وصحَّحه الألبانيُّ في*«صحيح الجامع»(٤٨٤٥)، وحسَّنه الأعظميُّ في تحقيقه ﻟ*«صحيح ابنِ خزيمة»*ومحقِّقو*«مسند أحمد».



(٣)*أخرجه ابنُ حبَّان (٢٨١٢). وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في*«صحيح ابنِ حبَّان»*(٢٨١٢)، وصحَّحه الألبانيُّ في«التعليقات الحسان»*(٢٨٠١).



(٤)*رواها أبو بكر الأثرم، [انظر:*«نيل الأوطار» (٣/ ٣٤٤)].



(٥)*أخرجه ابنُ ماجه في*«الصيام»*بابٌ في الأكل يومَ الفطر قبل أَنْ يخرج*(١٧٥٦) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيب الأسلميِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«صحيح ابن ماجه».



(٦)*أخرجه أحمد (٢٢٩٨٤)، والبيهقيُّ في*«السنن الصغرى»*(٦٨٩) وفي*«الكبرى»*(٦١٦٠)، والدارقطنيُّ (١٧١٥)، وحسَّنه محقِّقو*«المسند»*(٣٨/ ٨٨).



(٧)*انظر:*«مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»*للمباركفوري (٥/ ٤٥).



(٨)*انظر:*«الأمَّ»*للشافعي (٢/ ٢١٧).



(٩)*أخرجه البيهقيُّ في*«السنن الكبرى»*(٦١٦١)، وقد ذَكَر الذهبيُّ في*«ميزان الاعتدال»*(٣/ ٨٦) تضعيفَ أحَدِ رواته. والحديثُ بزيادة الأكل مِنْ كبِدِ الأضحية ضعيفٌ لعلَّتين: الأولى: الوليد بنُ مسلمٍ وهو القُرَشيُّ مولاهم أبو العبَّاس الدمشقيُّ، ثِقَةٌ لكنَّه كثير التدليس والتسوية، [«التقريب» (٧٥٠٦)]. الثانية: عقبة وهو ابنُ عبد الله الأصم الرفاعيُّ العبديُّ البصريُّ: ضعيفٌ وربَّما دلَّس، [«التقريب»*(٤٦٧٦)]. وقد ضعَّف الألبانيُّ هذه الزيادةَ كما في«سُبُل السلام»*بتعليقاته عليه (٢/ ٢٠٠) حيث قال:*«هذه الزيادةُ ضعيفةٌ؛ لأنها مِنْ رواية عقبة بنِ الأصمِّ عن ابنِ بريدة؛ وهو عقبة بنُ عبد الله الأصمِّ: ضعيفٌ، كما في*«التقريب»».



* * *



الفتوى رقم: ١١٦١



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



7- في حكمِ مَنْ ذَبَح ليلةَ العيد



السؤال:



يَعْمِد بعضُ المُضحِّين إلى ذبحِ الأضحية ليلةَ العيد خشيةَ زحمةِ الناس على الجزَّارين والقصَّابين؛ معلِّلين بأنَّ الدين يُسْرٌ، والله تعالى رَفَع الحرجَ، فهل يصحُّ هذا الفعلُ؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فقَدْ نَقَل ابنُ المنذر وغيرُه إجماعَ العلماء على أنَّ الأضحية لا يجوز ذبحُها قبل طلوع الفجر مِنْ يوم النحر وهو يوم العيد(١)، وعليه فلا يختلف العلماء في عدمِ إجزاء الأضحية في ذلك الوقت، بل تُعَدُّ شاتُه شاةَ لحمٍ ذَبَحها لنفسه ويقدِّمها لأهله؛ لحديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما مرفوعًا:*«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ»(٢)، والتعليلُ الوارد في السؤال لا يصيِّرها نُسُكًا في شيءٍ؛ لأنَّ الأضحية عبادةٌ محدَّدةٌ بوقتٍ مُيسَّرٍ للجميع؛ فلا يجوز ـ*بحالٍ*ـ العدولُ عنه.



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر: ٠٢ رمضان ١٤٣٤ﻫ



الموافق ﻟ: ١١ جويلية ٢٠١٣م



*



(١)*انظر:*«الإجماع»*لابن المنذر (٥٦)،*«شرح مسلم»*للنووي (١٣/ ١١٠).



(٢)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الأضاحي»*بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي بُرْدة رضي الله عنه:*«ضَحِّ بالجَذَع مِنَ المعز، ولن تَجْزِيَ عن أحَدٍ بعدك»*(٥٥٥٦)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦١)، مِنْ حديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما.



 وصلى الله على نبينا محمد على آله و صحبه و سلم 



بعض أحكام الأضحية الشيخ علي فركوس حفظه الله

بعض أحكام الأضحية 

من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز علي فركوس حفظه الله

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .



يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً أما بعد: فهذه بعض أحكام الأضحية من فتاوى الشيخ أبي عبد المعز علي فركوس حفظه الله و أطال في عمره و بارك الله له في علمه و عمله.



أما الفتاوى التي سأذكرها فهي :



1- حكم الأضحية في الشرع



2- أفضل الأنعام في الأضحية



Three- السنِّ المجزئة في أضحية العيد



4- صفة ما تجوز التضحية به



Five- حكم الاشتراك في الأضحية



6- حكم تخصيص الأكل مِنَ الكبد في الأضحية



7- حكمِ مَنْ ذَبَح ليلةَ العيد







الفتوى رقم: ٨٨٥



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



1- في حكم الأضحية في الشرع



السؤال:



ما حكم الأضحية في الشرع؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فقَدِ اختلف العلماءُ في حكم الأضحية، فمذهبُ الجمهور استحبابُها خلافًا لمذهب القائلين بوجوبها على المُوسِر الذي يقدر عليها فاضلًا عن حوائجه الأصلية، وبه قال الأحنافُ وبعضُ المالكية(١)، وهو الأظهرُ ـ*عندي*ـ لِمَا رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:*«مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا»(٢)، فالحديث نهى المُوسِرَ عن قربان المصلَّى إذا لم يُضَحِّ، فدلَّ على أنه تَرَك واجبًا باللزوم، فكأنَّ الصلاةَ عديمةُ الفائدةِ مع تركِ هذا الواجب، ويؤيِّده ما رواه مِخْنَفُ بنُ سُلَيْمٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال بعَرَفةَ:*«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»(٣)، وقد نُسِخَتِ العتيرةُ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:*«لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ»(٤)، ولا يَلْزَم مِنْ نسخِ العتيرةِ نسخُ الأضحية؛ إذ لا تلازُمَ بين الحكمين حتَّى يَلْزَم مِنْ رفعِ أحَدِ الحكمين رفعُ الآخَر، وممَّا يرجِّح هذا القولَ ما رواه جُنْدبُ بنُ سفيان البَجَليُّ رضي الله عنه قال:*«شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ:*«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ»»(٥)، وهو ظاهرُ الوجوب، لاسيَّما مع الأمر بالإعادة(٦).



هذا، وقد استدلَّ الجمهورُ بحديثِ أمِّ سَلَمةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:*«إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»(٧)، فإنَّ الحديث ـ*عندهم*ـ لا يدلُّ على وجوب الأضحية، بل غايةُ ما يدلُّ عليه استحبابُها؛ لأنَّ الواجب لا يُعَلَّق بالإرادة، كما استدلُّوا بحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:*«ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الوَتْرُ وَالنَّحْرُ وَصَلَاةُ الضُّحَى»(٨)، وصرفوا أدلَّةَ المُوجِبين بحديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال:«شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ، فَأُتِيَ بِكَبْشٍ، فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ وَقَالَ:*«بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٩)، كما استدلُّوا بالآثار المرويَّة عن أبي بكرٍ وعمر وأبي مسعودٍ رضي الله عنهم، فقَدْ أخرج عبد الرزَّاق والبيهقيُّ عن أبي سُرَيْحَةَ قال:*«رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ»(١٠)، وعن أبي وائلٍ قال: قال أبو مسعودٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه:*«إِنِّي لَأَدَعُ الأَضْحَى ـ*وَإِنِّي لَمُوسِرٌ*ـ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى جِيرَانِي أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ»(١١).



وما تَمسَّك به الجمهورُ مِنْ أدلَّةٍ لا يصلح لصَرْفِ أدلَّة المُخالِفين عن الوجوب، فقَدْ أجاب ابنُ تيمية ـ*رحمه الله*ـ على نُفاةِ الوجوب بقوله:*«وأمَّا الأضحية فالأظهرُ وجوبُها أيضًا، فإنَّها مِنْ أعظمِ شعائر الإسلام، وهي النُّسُكُ العامُّ في جميع الأمصار، والنُّسُكُ مقرونٌ بالصلاة في قوله:*﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢﴾*[الأنعام]، وقد قال تعالى:*﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢﴾*[الكوثر]، فأَمَر بالنَّحر كما أَمَر بالصلاة...»، ثمَّ قال:*«ونُفاةُ الوجوب ليس معهم نصٌّ؛ فإنَّ عمدتهم قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:*«مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَدَخَلَ العَشْرُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ»، قالوا: والواجبُ لا يُعلَّق بالإرادة. وهذا كلامٌ مُجْمَلٌ؛ فإنَّ الواجب لا يُوكَلُ إلى إرادة العبد فيقالَ: إِنْ شئتَ فافْعَلْه، بل قد يُعلَّق الواجبُ بالشرط لبيانِ حكمٍ مِنَ الأحكام كقوله:*﴿إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ*﴾*[المائدة: ٦]، وقد قدَّروا فيه:*«إذا أردتم القيامَ»، وقدَّروا:*«إذا أرَدْتَ القراءةَ فاسْتَعِذْ»، والطهارةُ واجبةٌ والقراءةُ في الصلاة واجبةٌ، وقد قال:*﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٢٧*لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨﴾*[التكوير]، ومشيئةُ الاستقامةِ واجبةٌ»(١٢).



أمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما فضعيفٌ، وله طُرُقٌ أخرى كُلُّها ضعيفةٌ لا تصلح للاحتجاج، فضلًا عن كونها مُعارِضةً للأحاديث الثابتة المرفوعة.



وحديثُ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما يَسَعُ معه الجمعُ بأَنْ تُحْمَل تضحيةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على كونها عن غير المُوسِرين مِنْ أُمَّته كما يُفيدُه قولُه:*«مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»*مع قوله:*«.. عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً ..».



وأمَّا الاستدلال بالآثار المرويَّة عن أبي بكرٍ وعمر وأبي مسعودٍ رضي الله عنهم في سقوطِ وجوبِ الأضحية فإنَّ الصحابة اختلفوا في حُكْمِها، والواجبُ التخيُّرُ مِنْ أقوالهم ما يُوافِقه الدليلُ وتدعِّمه الحُجَّة، وهي تشهد للقائلين بالوجوب على المُوسِر، ومِنْ جهةٍ أخرى فإنَّ الآثار المرويَّةَ موقوفةٌ مُعارِضةٌ للنصوص المرفوعة المتقدِّمة، و«المَرْفُوعُ مُقَدَّمٌ عَلَى المَوْقُوفِ»*على ما هو مقرَّرٌ أُصوليًّا.



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ٣٠ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ



الموافق ﻟ: ٠٦/ ٠٤/ ٢٠٠٨م



(١)*انظر:*«بداية المجتهد»*لابن رشد (١/ ٤٢٩)،*«المحلَّى»*لابن حزم (٧/ ٣٥٥)،*«المغني»*لابن قدامة (٨/ ٦١٧)،*«المجموع»للنووي (٨/ ٣٨٥)،*«فتح الباري»*لابن حجر (١٠/*٣)،*«شرح فتح القدير»*لقاضي زادة (٩/ ٥١٩)،*«سُبُل السلام»للصنعاني (٤/ ١٧٨).



(٢)*أخرجه ابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٣)، وأحمد في*«المسند»*(٨٢٧٣)، والحاكم (٧٥٦٥) وصحَّح إسنادَه ووافقه الذهبيُّ، وحسَّنه الألبانيُّ في*«تخريج مشكلة الفقر»*(١٠٢)،*وصحَّحه في*«صحيح الجامع»*(٦٤٩٠)،*وانظر:*«نصب الراية»*للزيلعي (٤/ ٢٠٧).



(٣)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥١٨)،*والنسائيُّ في*«الفَرَع والعتيرة»*(٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)،*مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه. وقوَّاه ابنُ حجرٍ في*«الفتح»*(٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق*«جامع الأصول»*(٣/ ٣١٦)، وحسَّنه الألبانيُّ في*«المشكاة»*ـ*التحقيق الثاني*ـ (١٤٧٨).



(٤)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«العقيقة»*باب*الفَرَع*(٥٤٧٣)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٧٦)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.



(٥)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الأضاحي»*باب: مَنْ ذَبَح قبل الصلاةِ أعاد*(٥٥٦٢)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٠)، مِنْ حديث جُندب بنِ سفيان البَجَليِّ رضي الله عنه.



(٦)*«السيل الجرَّار»*للشوكاني (٤/ ٧٤).



(٧)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٧٧) مِنْ حديثِ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها.



(٨)*أخرجه أحمد (٢٠٥٠)، والبيهقيُّ في*«الكبرى»*(٤٤٥٩). قال ابنُ حجرٍ في*«التلخيص الحبير»*(٢/ ٤٥):*«وأطلق الأئمَّةُ على هذا الحديثِ الضعفَ كأحمد والبيهقيِّ وابنِ الصلاح وابنِ الجوزيِّ والنوويِّ وغيرِهم»،*وانظر:*«السلسلة الضعيفة»*للألباني (٦/ ٤٩٤).



(٩)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابٌ في الشاة يُضحَّى بها عن جماعةٍ (٢٨١٠)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥٢١)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.*وحسَّنه ابنُ حجرٍ في*«المطالب العالية»*(٣/ ٣٢)،*وصحَّحه الألبانيُّ في«الإرواء»*(١١٣٨).



(١٠)*أخرجه عبد الرزَّاق (٨١٣٩)، والبيهقيُّ (١٩٠٣٦).



(١١)*أخرجه عبد الرزَّاق (٨١٤٩)، والبيهقيُّ (١٩٠٣٨).



(١٢)*«مجموع الفتاوى»*لابن تيمية (٢٣/ ١٦٢ ـ ١٦٣).



* * *



الفتوى رقم: ١١٦٢



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



2- في أفضل الأنعام في الأضحية







السؤال:



هل تجوز الأضحية بالمعز؟ وما هو الأفضلُ في الأضحية؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فلا يجزئ في الأضحية إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى:*﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰم﴾*[الحج: ٣٤]، وهي أزواجٌ ثمانيةٌ تصحُّ مِنَ الجنسين(١)، متمثِّلةً في: الجمل والناقة، والثور والبقرة، والكبش والنعجة، والتيس والعنز، ولكِنْ لا يجزئ مِنَ المعز إلَّا الثنيُّ وهو ما له سنةٌ فما فوقه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:*«لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(٢)، وأمَّا الجَذَعُ مِنَ المعز فقَدْ نَقَل ابنُ عبد البرِّ ـ*رحمه الله*ـ إجماعَ العلماء على عدمِ إجزائها في الأضحية(٣).



وأفضلُ الضحايا ـ*عند الجمهور*ـ يظهر على هذا الترتيب: الإبل ثمَّ البقر ثمَّ الغنم، وهذا الأخير على نوعين: الضأن ويليه المعز، وممَّا استدلُّوا به قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:*«مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، ..»(٤)، وعلَّلوا الأفضليةَ بغلاء الثمن وهي علَّةٌ منصوصةٌ في حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:*«فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟»*قَالَ:*«أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»(٥)، ولا يخفى أنَّ الإبل والبقر*أعلى ثمنًا وَأكثرُ نفعًا وأكبرُ أجسامًا وأعودُ فائدةً:*حُمولةً وطعمًا.



وخالَفَ في ذلك المالكيةُ ورتَّبوا الأفضليةَ على علَّة طِيب اللحم، فكان أفضلُها: الضأنَ ثمَّ البقر ثمَّ الإبل، واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى:*﴿وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧﴾*[الصافَّات]، أي: بكبشٍ عظيمٍ، ولأنَّ:«النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ..»(٦)،*وهو*صلَّى الله عليه وسلَّم*لا يفعل إلَّا الأفضل.



والظاهر ـ*عندي*ـ أنَّ مذهب الجمهور أقوى*تقديمًا لقول النبيِّ*صلَّى الله عليه وسلَّم*على فعلِه،*ولأنه ـ*بغضِّ النظر عن استدلالهم بالدليل المبيِّن لمَقامِ الأفضلية بين بهيمة الأنعام*ـ فقد علَّلوا أفضليةَ الترتيب بعلَّةٍ منصوصٍ عليها، بينما المالكية علَّلوا بعلَّةٍ مُستنبَطةٍ، وما هو مقرَّرٌ ـ*أصوليًّا*ـ في بابِ قواعدِ الترجيح بالمعاني أنَّ العلَّة المنصوص عليها مقدَّمةٌ على غير المنصوص عليها؛ لأنَّ نصَّ صاحبِ الشرع عليها دليلٌ على صحَّتها وتنبيهٌ على لزوم اتِّباعها، ولأنَّ النبيَّ*صلَّى الله عليه وسلَّم*قد يترك الأفضلَ لبيانِ الجواز أو لِفِعْلِ الأيسر، ولكِنْ يمكن توجيهُ مذهب المالكية على أنَّ المضحِّيَ بالضأن أفضلُ مِنَ الشريك المُقاسِمِ في الإبل أو في البقر، هو رأيٌ له اعتبارُه ووجاهتُه.



هذا، وإذا كان الأفضلُ في أنواع بهيمة الأنعام ما رتَّبه الجمهورُ،*وتقرَّرَتْ صحَّةُ الأضحية مِنَ الجنسين إلَّا أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ منها بالأنثى؛ لعمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضل الرِّقاب:*«أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا».



أمَّا لون الأضحية فأفضلُها البيضاء (العفراء) وهي أفضلُ مِنَ السوداء؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضحَّى بكبشين أملحين، والأملح: الأبيض الخالص البياض (٧)، وإذا كان السوادُ حول عينيها وفمِها وفي رجلَيْها أَشْبَهَتْ أضحيةَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم(٨)، قال النوويُّ ـ*رحمه الله*ـ:*«أفضلُها البيضاء ثمَّ الصفراء ثمَّ الغبراء ـ*وهي التي لا يصفو بياضُها*ـ ثمَّ البلقاء ـ*وهي التي بعضُها أبيضُ وبعضها أسودُ*ـ ثمَّ السوداء، وأمَّا قولُه في الحديث الآخَرِ:*«يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ»(٩)*فمعناه أنَّ قوائمه وبطنَه وما حول عينيه أسودُ»(١٠).



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر: ١٣ رمضان ١٤٣٤ﻫ



الموافق ﻟ: ٢٢ جويلية ٢٠١٣م







(١)*لقوله تعالى:*﴿ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا﴾[الأنعام: ١٤٣ـ ١٤٤]. هذا، وليس في ترتيب الضأن والمعز قبل الإبل والبقر في الآية تقديم أفضلية لنوعها، وإنما هو أسلوبٌ قرآنيٌّ بديعٌ يتجلَّى فيه الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى.



(٢)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٣) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.



(٣)*انظر:*«التمهيد»*لابن عبد البرِّ (٢٣/ ١٨٥).



(٤)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الجمعة»*بابُ فضلِ الجمعة (٨٨١)، ومسلمٌ في*«الجمعة»*(٨٥٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.



(٥)*أخرجه*أحمد (٢١٥٠٠)مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«صحيح الجامع»*(١١٠٥)،*وفي روايةٍ:«أَعْلَاهَا ثَمَنًا...»: أخرجها*البخاريُّ في*«العتق»*باب: أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟ (٢٥١٨)، وفي أخرى:*«وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا..»: أخرجها*مسلمٌ في*«الإيمان»*(٨٤).



(٦)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الأضاحي»*بابُ وضعِ القدم على صَفْحِ الذبيحة (٥٥٦٤)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»(١٩٦٦)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.



(٧)*انظر:*«شرح مسلم»*للنووي (١٣/ ١٢٠).



(٨)*انظر:*«مجموع الفتاوى»*لابن تيمية (٢٦/ ٣٠٨).



(٩)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٧) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.



(١٠)*«شرح مسلم»*للنووي (١٣/ ١٢٠).



* * *



الفتوى رقم: ٨٣٠



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



Three- في السنِّ المجزئة في أضحية العيد







السؤال:



ما هو سنُّ*الشاة المجزئة في أضحية العيد؟ وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فالأصلُ في الأُضحية أنه لا يجزئ منها إلَّا بهيمةُ الأنعام؛ لقوله تعالى:*﴿لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰم﴾*[الحج: ٣٤]، وهي الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام(١)، وهي: الإبلُ والبقر والغنم ـ*وهي نوعان: الضأنُ والمعز*ـ ذكورُها وإناثُها وإِنْ كانَتْ تصحُّ بالجنسين، غير أنَّ التضحية بالذَّكَر أفضلُ مِنَ الأنثى لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أفضلِ الرِّقاب:*«أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»(٢)، أمَّا السنُّ المُجْزِئة فالثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ:



فالثَّنِيَّةُ مِنَ الإبل:*ما له خمسُ سنين ودَخَل في السادسة.



والثنيَّة مِنَ البقر:*ما له سنتان ودَخَل في الثالثة.



والثنيَّة مِنَ الضأن:*ما له سنةٌ ودَخَل في الثانية.



والثنيَّة مِنَ المعز:*ما له سنةٌ ودَخَل في الثانية.



ولا يجزئ في الأضحية دون هذا السنِّ فيها جميعًا، باستثناءِ ما إذا تَعسَّر الثَّنِيُّ مِنَ الضَّأْنِ؛ فإنه يجزئ الجَذَعُ وهو: ما له ستَّةُ أشهرٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:*«لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»(٣)، فظاهرُ الحديثِ يقتضي عَدَمَ إجزاء الجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ إلَّا عند العَجْزِ عن المُسِنَّةِ، أمَّا الأحاديثُ الواردةُ في جواز الجذع مِنَ الضأن في الأضحية فإنَّ الصحيحَ منها يُحْمَلُ على العجز عن المُسِنَّة لعدمِ وجودها في الحال أو لغلاءِ سِعرها؛ لحديث عاصم بنِ كُلَيْبٍ عن أبيه قال:*«كُنَّا نُؤَمِّرُ عَلَيْنَا فِي الْمَغَازِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَكُنَّا بِفَارِسَ فَغَلَتْ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ الْمَسَانُّ، فَكُنَّا نَأْخُذُ الْمُسِنَّةُ بِالْجَذَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَامَ فِينَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ فَقَالَ:*«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَأَصَابَنَا مِثْلُ هَذَا الْيَوْمِ فَكُنَّا نَأْخُذُ الْمُسِنَّةَ بِالْجَذَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:*«إِنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ»»»(٤).



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ١٤ من المحرَّم ١٤٢٩ﻫ



الموافق ﻟ: ٢٢/ ٠١/ ٢٠٠٨م



*



(١)*قال تعالى:*﴿ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّ‍ُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٤٣وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡن﴾[الأنعام: ١٤٣ـ ١٤٤].



(٢)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«العتق»*باب: أيُّ الرِّقابِ أفضلُ؟ (٢٥١٨)، ومسلمٌ في*«الإيمان»*(٨٤)، مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.



(٣)*أخرجه مسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٣) مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه.



(٤)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابُ ما يجوز مِنَ السنِّ في الضحايا (٢٧٩٩)، والنسائيُّ في*«الضحايا»*باب المُسِنَّة والجَذَعة (٤٣٨٣)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*بابُ ما تجزئ مِنَ الأضاحي (٣١٤٠)، والحاكم (٧٥٣٨)، مِنْ حديثِ مُجاشِعِ بنِ مسعودٍ*السُّلَميِّ*رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«الإرواء»*(١١٤٦).



* * *



الفتوى رقم: ١١٦٨



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



Four- في صفة ما تجوز التضحية به







السؤال:



ما حكم مكسورة القرن في الأضحية؟ وهل يُشترط كمال السلامة في الإجزاء؟ وكيف نجمع بين حديث عليٍّ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»(١)، وبين قول عليٍّ رضي الله عنه عندما سئل عن مكسورة القرن قال: «لاَ يَضُرُّكَ»(٢)؟ أفيدونا مأجورين.



الجواب:



الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فقد نصَّت السنَّة المطهَّرة على العيوب التي تُرَدُّ بها الأضحية فلا تُجزئ معها باتِّفاق العلماء وهي:



• العوراء البيِّنُ عَوَرُها بحيث يغشى البياضُ معظمَ ناظرها، وتدخل العمياءُ دخولاً أولويًّا.



• المريضة البيِّنُ مرضُها، أمَّا خفيفة المرض فتُجزئ بمقتضى دليل خطابِ النصِّ الآتي ذكرُه.



• العرجاء البيِّنُ عَرَجُها أو ظَلْعُها، ويدخل في هذا المعنى بالأحروية مقطوعةُ الرجل والمكسورتها.



• العجفاء التي لا تُنْقِي، وهي الهزيلة التي لا مخَّ في عظامها لضعفها وهزالها.



ويدلُّ على ذلك حديث البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:*«أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ فِي الأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقِي»(٣).



وشرط البراءة مِن هذه العيوب المذكورة محلُّ إجماعٍ بين أهل العلم، قال النوويُّ -رحمه الله-: «وأجمعوا على أنَّ العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو: المرض والعَجَف والعَوَر والعَرَج البيِّن لا تُجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبحَ كالعمى وقطعِ الرجل وشبهه»(٤).



أمَّا مكسورة القرن أو جزءٍ منه أو مشقوقةُ الأذُنِ فهي العضباء على خلافٍ في تحديد معناها، فحكمُها مختلَفٌ فيه للاختلاف في درجة الحديث الدائرة بين الحسن والضعف.



فمَن حسَّن حديثَ عليٍّ رضي الله عنه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ القَرْنِ وَالأُذُنِ»، وجاء مبيَّنًا بقول قتادة: «فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «العَضْبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ»»(٥)، فقد دفع التعارضَ مع قول عليٍّ رضي الله عنه -عندما سئل عن مكسورة القرن- فقال: «لاَ يَضُرُّكَ» بأنْ حَمَل «العَضَبَ» في الحديث المرفوع على عدم الإجزاء إذا كان المكسور منه النصفَ فأكثر، أمَّا قوله: «لا يضرُّك» فقَدْ حَمَله على الإجزاء فيما دون النصف، وبذلك دفع التعارضَ بينهما، وبهذا قال النخعيُّ وأبو يوسف ومحمَّد بنُ الحسن وغيرُهم(٦).



ومن ضعَّف حديثَ النهي عن مكسورة القرن ولم يثبت عنده نهيٌ عن العَضَب وعَمِل بمقتضى حديث عليٍّ رضي الله عنه: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالأُذُنَ»(٧)، ورأى أنَّ مكسورة القرن ومشقوقة الأذن عيبٌ لا ينقص اللحمَ ولا يُخِلُّ بالمقصود؛ قال بكراهية التنزيه في الأضحية التي تقترن بها هذه العيوبُ ويحصل بها الإجزاء، لأنَّ حديث عليٍّ رضي الله عنه في استشراف العين والأذن ليس فيه ما يدلُّ على عدم الإجزاء، وإنما يدلُّ على اجتناب ما فيه شقٌّ أو قطعٌ أو ثقبٌ ونحوُ ذلك. قال ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: «العلماء مجمعون على أنَّ الجمَّاء [وهي التي لم يُخلق لها قرنٌ] جائزٌ أن يضحَّى بها، فدلَّ إجماعُهم هذا على أنَّ النقص المكروه هو ما تتأذَّى به البهيمةُ وينقص مِن ثمنها ومِن شحمها»(٨)، وإذا جازت التضحية بالجمَّاء فلَأَنْ تجوز بالعضباء التي ذهب أكثرُ مِن نصف قرنها مِن بابٍ أَوْلى(٩).



ويدخل في هذا المعنى -أيضًا- العيوبُ الأخرى التي لا تأثير لها في الحكم لعدم صحَّة النهي عنها، فإنها تُجزئ في الأضحية -على الصحيح- وتُكره لكونها تنافي كمالَ السلامة كالبتراء مقطوعةِ الألية أو الذنَب، والجدعاءِ مقطوعةِ الأنف، والهتماء التي لا أسنان لها. قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وتُكره المشقوقة الأذُنِ، والمثقوبةُ، وما قُطع شيءٌ منها؛ لِما روي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ وَالأُذُنَ، وَلاَ نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلاَ مُدَابَرَةٍ، وَلاَ خَرْقَاءَ وَلاَ شَرْقَاءَ، قال زهيرٌ: قلت لأبي إسحاق: «ما المقابَلة؟» قال: «يُقطع طرفُ الأذن»، قلت: «فما المدابَرة؟» قال: «يُقطع من مؤخَّر الأذن»، قلت: «فما الشرقاء؟» قال: «تُشَقُّ الأذنُ»، قلت: «فما الخرقاء؟» قال: «تَشُقُّ أذُنَها السِّمَةُ»» .. وهذا نهيُ تنزيهٍ، ويحصل الإجزاءُ بها، لا نعلم فيه خلافًا؛ ولأنَّ اشتراط السلامة مِن ذلك يشقُّ، إذ لا يكاد يوجد سالمٌ من هذا كلِّه»(١٠)، انتهى كلام ابن قدامة.



هذا، وتُجزئ الأضحية بالمَوْجوء والخَصِيِّ لأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ -أي: خَصِيَّيْن-»(١١)، قال ابن قدامة -رحمه الله- -في جوازه-: «ولا نعلم فيه مخالفًا»(١٢).



والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ١٥ من ربيع الثاني ١٤٣٥ﻫ



الموافق ﻟ: ١٥ فـبـرايـر ٢٠١٤م



(١)*أخرجه أحمد (١٠٤٧)، وأبو داود في «الضحايا» باب ما يُكره من الضحايا (٢٨٠٥)، والترمذي في «الأضاحي» بابٌ في الضحيَّة بعضباء القرن والأذن (١٥٠٤)، وصحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لسنن الترمذي» (٢/ ٥٢)، وحسَّنه محقِّقو «مسند أحمد» طبعة الرسالة (٢/ ٣١٠)، وضعَّفه الألباني في «ضعيف الجامع الصغير» (٦٠١٦)، وقال في «الإرواء» (١١٤٩): «منكر».



(٢)*أخرجه أحمد (٧٣٤)، وانظر: «الإرواء» (٤/ ٣٦٢).



(٣)*أخرجه أبو داود في «الضحايا» باب ما يُكره من الضحايا (٢٨٠٢) والنسائي في «الضحايا» ما نُهي عنه من الأضاحي: العوراء (٤٣٦٩)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب ما يُكره أن يضحَّى به (٣١٤٤)، وغيرهم من حديث البراء بن عازبٍ رضي الله عنه. وهو حديثٌ صحيحٌ. انظر: «نصب الراية» للزيلعي (٤/ ٢١٣)، و«البدر المنير» لابن الملقِّن (٩/ ٢٨٦)، و«التلخيص الحبير» لابن حجر (٤/ ٣٤٦)، و«الإرواء» للألباني (٤/ ٣٦١)



(٤)*«شرح مسلم» للنووي (١٣/ ١٢٠)، وانظر «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٢١٥).



(٥)*صحَّحه الترمذي والحاكم، وضعَّفه أبو داود والألباني. انظر: «البدر المنير» لابن الملقِّن (٩/ ٢٩٣)، و«الإرواء» للألباني (٤/ ٣٦١).



(٦)*انظر: «المغني» لابن قدامة (٨/ ٦٢٤).



ومذهب الجمهور أنه تُجزئ مكسورةُ القرن، أمَّا مالكٌ ففرَّق بين ما إذا كان قرنُها يدمى فلا تجوز كراهةً وإلاَّ جازت [انظر: «المجموع» للنووي (٨/ ٤٠٤)، «الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٢١٩)].



(٧)*أخرجه أبو داود في «الضحايا» باب ما يُكره من الضحايا (٢٨٠٤)، والترمذي في «الأضاحي»*باب ما يُكره من الأضاحي (١٤٩٨)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه، وصحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٢٩١)، والألباني في «الإرواء» (٤/ ٣٦٢).



(٨)*«الاستذكار» لابن عبد البرِّ (٥/ ٢١٨).



(٩)*قال ابن عبد البرِّ في [«الاستذكار» (٥/ ٢١٩)]: «وفي إجماعهم على إجازة الضحيَّة بالجمَّاء ما يبيِّن لك أنَّ حديث القرن لا يثبت ولا يصحُّ، أو هو منسوخٌ؛ لأنه معلومٌ أنَّ ذهاب القرنين معًا أكثرُ مِن ذهاب بعض أحدهما».



قلت:*وقد خالف في ذلك بعض الحنابلة [انظر: «المغني» (٨/ ٦٢٦)].



(١٠)*«المغني» لابن قدامة (٨/ ٦٢٦).



(١١)*أخرجه أحمد (٢٥٨٤٢)، وابن ماجه في «الأضاحي» باب أضاحي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٣١٢٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٢٩٩)، والبوصيري في «مصباح الزجاجة» (٣/ ٢٢٢)، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (٤/ ٣٥١).



(١٢)*«المغني» لابن قدامة (٨/ ٦٢٥)، وقال: «والوجأ رضُّ الخصيتين، وما قُطعت خصيتاه أو شُلَّتا فهو كالموجوء».



* * *



الفتوى رقم: ٥٧٨



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



5- في حكم الاشتراك في الأضحية



السؤال:



ما حُكمُ الشرعِ في الاشتراك في الأضحية سواءٌ مِنْ حيث الثمنُ أو مِنْ حيث الثوابُ، وذلك في البَدَنَة والبقرة والشِّيَاه، خاصَّةً وأنَّ حديثَ جابرٍ رضي الله عنه تَطرَّق للحديث عن البَدَنة والبقرة فقط(١)؟



•*هل تَمَّ الاشتراكُ في الأُضحية في عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم خاصَّةً في الشاة؟



•*هل أجمع العلماءُ خاصَّةً الأئمَّة الأربعة على عدم الاشتراك في الشاة مِثْل ما جاء في*«بداية المجتهد»(٢)؟



•*هل تَكلَّم العلماءُ في الاشتراك في الشاة ممَّنْ كانَتْ تجمعهم نفقةٌ واحدةٌ أي: أنَّ ربَّ البيت يأخذ كُلَّ شهرٍ نصيبًا مِنِ ابنه للنفقة على البيت وحين يَحِلُّ العيدُ يأخذ مِنْ ذلك لشراء الشاة؟



•*هل يصحُّ الاستدلالُ بحديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه:*«كُنَّا وَقُوفًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ فَقَالَ:*«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍّ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً»»(٣)، وسندُه حَسَنٌ عند بعضِ العلماء، إلَّا أنَّنا سَمِعْنا أنه ضعيفٌ على هذا المنوال، وإنما الصحيحُ قولُه ابتداءً مِنْ:*«عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ…».



الجواب:



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فالاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:*«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»(٤)، والحديثُ يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص: سبعة أنفارٍ للبقرة، وعشر أَنْفُسٍ للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين مِنْ حديثِ رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم«عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ»(٥).



أمَّا الشاة فالاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ الشاة لا تُجْزئ إلَّا عن نفسٍ واحدةٍ، وهو قولُ عبد الله بنِ المبارَك وغيرِه مِنْ أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِنِ ابنِ رُشْدٍ والنوويِّ الإجماعَ على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقِضٌ بما حكاه الترمذيُّ في*«سُنَنِه»*أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال:«والعملُ على هذا عند أهل العلم»، وهو قولُ أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال:«شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ، وَقَالَ:*«بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»»(٦).



وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهلِ بيته لِمَا رواه ابنُ ماجه والترمذيُّ وصحَّحه مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال:*«كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»(٧)، غير أنَّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تُجْزئهم بالتَّبَعِ، ودليلُه حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ففيهما دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقةً؛ إذ ليس مقرونًا بلفظِ أهلِ البيت المذكور في حديثِ أبي أيُّوب رضي الله عنه السابق، فإنَّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكَرْنا أنَّ الزوجة مثلًا لو تَمَتَّعَتْ بالحجِّ أو قَرَنَتْ لَمَا كان يكفي هديُ زوجها في الإجزاء عنها؛ فَدَلَّ على أنَّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثوابُ الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى.



أمَّا حديثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه فقَدْ أخرجه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ وغيرُهم وفي إسناده أبو*رملة واسْمُه عامرٌ، قال الخطَّابيُّ ـ*رحمه الله*ـ: هو مجهولٌ والحديثُ ضعيفُ المَخْرَج(٨)، وقال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ ـ*رحمه الله*ـ:*«حديثُ مِخْنَفِ بنِ سُلَيْمٍ ضعيفٌ فلا يُحتجُّ به»(٩)، كما ضعَّفه عبد الحقِّ وابنُ القطَّان لعلَّةِ الجهل بحالِ أبي رملة، ورواه عنه ابنُه حبيبُ بنُ مِخْنَفٍ وهو مجهولٌ أيضًا(١٠)، وقد رواه مِنْ هذا الطريقِ عبدُ الرزَّاق في*«مصنَّفه»، ومِنْ طريق عبد الرزَّاق رواه الطبرانيُّ في*«معجمه»*بسنده، والبيهقيُّ في*«المعرفة»؛ لذلك حسَّنه الألبانيُّ في*«صحيح أبي داود»(١١)*وفي*«صحيح سنن الترمذي»(١٢)*وفي«صحيح ابن ماجه»(١٣).



والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ٧ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ



الموافق ﻟ: ١٥ أفريل ١٩٩٧م



*



(١)*انظر أحاديثَ جابرٍ رضي الله عنه التي رواها مسلمٌ في*«الحجِّ»*(١٢١٣، ١٣١٨).



(٢)*(١/ ٤٢٠).



(٣)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابُ ما جاء في إيجاب الأضاحي (٢٧٨٨)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥١٨)، والنسائيُّ في*«الفَرَع والعتيرة»*(٤٢٢٤)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب الأضاحي: واجبةٌ هي أم لا؟ (٣١٢٥)، مِنْ حديثِ مِخْنَف بنِ سُلَيمٍ رضي الله عنه.*وقوَّاه ابنُ حجرٍ في*«الفتح»*(٩/ ٥٩٧)، والأرناؤوط في تحقيق*«جامع الأصول»*(٣/ ٣١٦)،وحسَّنه الألبانيُّ في*«المشكاة»*ـ*التحقيق الثاني*ـ (١٤٧٨).



(٤)*أخرجه الترمذيُّ في*«الأضاحي»*بابُ ما جاء في الاشتراك في الأضحية (١٥٠١)، والنسائيُّ في*«الضحايا»*بابُ ما تجزئ عنه البَدَنةُ في الضحايا (٤٣٩٢)، وابنُ ماجه في*«الأضاحي»*باب: عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ (٣١٣١)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه ابنُ القطَّان في*«الوهم والإيهام»*(٥/ ٤١٠)، وقال ابنُ الملقِّن في*«البدر المنير»*(٩/ ٣٠٤):*«جميعُ رجالِه ثِقَاتٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في*«المشكاة»*(١٤٦٩).



(٥)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الشركة»*بابُ قسمةِ الغنم (٢٤٨٨)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦٨)، مِنْ حديثِ رافع بنِ خديجٍ رضي الله عنه.



(٦)*أخرجه أبو داود في*«الضحايا»*بابٌ في الشاة يُضحَّى بها عن جماعةٍ (٢٨١٠)، والترمذيُّ في*«الأضاحي»*(١٥٢١)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وحسَّنه ابنُ حجرٍ في*«المطالب العالية»*(٣/ ٣٢)، وصحَّحه الألبانيُّ في«الإرواء»*(٤/ ٣٤٩) رقم: (١١٣٨).



(٧)*أخرجه الترمذيُّ في*«الأضاحي»*بابُ ما جاء: أنَّ الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت (١٥٠٥)، وابنُ ماجه في«الأضاحي»*بابُ مَنْ ضحَّى بشاةٍ عن أهله (٣١٤٧)، مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«الإرواء»*(١١٤٢).



(٨)*انظر:*«معالم السنن»*للخطَّابي (٣/ ٢٢٦).



(٩)*«عارضة الأحوذي»*لابن العربي (٦/ ٣٠٤).



(١٠)*انظر:*«نصب الراية»*للزيلعي (٤/ ٢١١).



(١١)*«صحيح أبي داود»*(٢/ ١٨٣) رقم: (٢٧٨٨).



(١٢)*«صحيح سنن الترمذي»*(٢/ ١٦٥) رقم: (١٥١٨).



(١٣)*«صحيح ابن ماجه»*(٣/ ٨٢) رقم: (٣١٢٥).



* * *



الفتوى رقم: ٥٤٤



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية



6- في حكم تخصيص الأكل مِنَ الكبد في الأضحية


السؤال:
الأضحى حتَّى يأكلَ مِنْ أضحيتِه، فهل الأكلُ عامٌّ في أيِّ جزءٍ مِنَ الأُضحية أم ـ*كما يقول العامَّةُ*ـ مِنَ الكَبِدِ؟ وما حكمُ تخصيصِ الأكلِ مِنَ الكبد؟ وبارك الله فيكم.


الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:



فالثابتُ مِنْ حديثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال:*«كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ»(١)، وفي روايةٍ:*«وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَذْبَحَ»(٢)، وفي روايةٍ:«وَلَا يَطْعَمُ يَوْم النَّحْرِ حَتَّى يَنْحَرَ»(٣)، وفي روايةٍ:*«حَتَّى يُضَحِّيَ»(٤)، وفي حديثٍ آخَرَ:*«وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ»(٥)، وزاد أحمد وغيرُه:*«فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ»(٦).



والحكمةُ مِنْ فِعْلِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مُوافَقَتُهُ للفقراء ـ*كما ذَهَب إليه أهلُ العلم*ـ؛ لأنَّ الظاهرَ أَنْ لا شيءَ لهم إلَّا ما أطعَمَهُمُ النَّاسُ مِنْ لحومِ الأضاحِي، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاة، بخلاف صدقةِ الفِطْرِ، فإنها متقدِّمةٌ عن الصلاة، وقد ذُكِرَتْ حِكمةٌ أخرى وهي: لِيَكُونَ أَوَّلُ ما يَطْعَمُ مِنْ أضحيته بأكلها شكرًا لله تعالى على ما أنعم به مِنْ شرعية النسيكة الجامعةِ لخير الدنيا وثواب الآخرة، وامتثالًا لقوله تعالى:*﴿فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ ٢٨﴾*[الحج]، سواءٌ قِيلَ بوجوبه أو بِسُنِّيَّته، وقد خصَّص بعضُ أهلِ العلم استحبابَ تأخيرِ الأكل في عيد الأضحى حتَّى يرجع بمَنْ له ذِبحٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذْ أخَّر الفطرَ في الأضحى إنما أَكَل مِنْ ذبيحته(٧).



هذا، وقد وَرَدَتْ سُنَّتُهُ في مُطْلَقِ الأكلِ مِنْ غيرِ تحديدِ عُضْوٍ أو تخصيصِ مَوْضِعٍ، وإنما استحبَّ الأكلَ مِنْ كَبِدِ ذبيحته بعضُ العلماء كالشافعيِّ(٨)*وغيرِه اعتمادًا على حديثِ بُرَيْدة رضي الله عنه قال:*«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَأْكُلَ شَيْئًا، وَإِذَا كَانَ الأَضْحَى لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ أَكَلَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَتِهِ»، والحديثُ ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ(٩)، غير أنَّ استحباب الأكل مِنَ الكبد خاصَّةً جارٍ العملُ به في العادة لكونِ الكبدِ أخفَّ الأعضاءِ انتزاعًا وأسرعَ نُضْجًا وأسهلَ هضمًا.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.



الجزائر في: ٢٦ من ذي القعدة ١٤٢٧ﻫ

الموافق ﻟ: ١٧ ديسمبر ٢٠٠٦م

*

(١)*أخرجه الترمذيُّ في*«العيدين»*بابٌ في الأكل يومَ الفطر قبل الخروج*(٥٤٢) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيب الأسلميِّ رضي الله عنه. قال ابنُ الملقِّن في*«البدر المنير»*(٥/ ٧٠):*«حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في*«مشكاة المصابيح»(١٤٤٠).


(٢)*أخرجه ابنُ خزيمة (١٤٢٦)، وأحمد (٢٣٠٤٢)، والبيهقيُّ في*«الكبرى»*(٦١٥٩). وصحَّحه الألبانيُّ في*«صحيح الجامع»(٤٨٤٥)، وحسَّنه الأعظميُّ في تحقيقه ﻟ*«صحيح ابنِ خزيمة»*ومحقِّقو*«مسند أحمد».


(٣)*أخرجه ابنُ حبَّان (٢٨١٢). وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في*«صحيح ابنِ حبَّان»*(٢٨١٢)، وصحَّحه الألبانيُّ في«التعليقات الحسان»*(٢٨٠١).


(٤)*رواها أبو بكر الأثرم، [انظر:*«نيل الأوطار» (٣/ ٣٤٤)].

(٥)*أخرجه ابنُ ماجه في*«الصيام»*بابٌ في الأكل يومَ الفطر قبل أَنْ يخرج*(١٧٥٦) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيب الأسلميِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في*«صحيح ابن ماجه».



(٦)*أخرجه أحمد (٢٢٩٨٤)، والبيهقيُّ في*«السنن الصغرى»*(٦٨٩) وفي*«الكبرى»*(٦١٦٠)، والدارقطنيُّ (١٧١٥)، وحسَّنه محقِّقو*«المسند»*(٣٨/ ٨٨).



(٧)*انظر:*«مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»*للمباركفوري (٥/ ٤٥).



(٨)*انظر:*«الأمَّ»*للشافعي (٢/ ٢١٧).



(٩)*أخرجه البيهقيُّ في*«السنن الكبرى»*(٦١٦١)، وقد ذَكَر الذهبيُّ في*«ميزان الاعتدال»*(٣/ ٨٦) تضعيفَ أحَدِ رواته. والحديثُ بزيادة الأكل مِنْ كبِدِ الأضحية ضعيفٌ لعلَّتين: الأولى: الوليد بنُ مسلمٍ وهو القُرَشيُّ مولاهم أبو العبَّاس الدمشقيُّ، ثِقَةٌ لكنَّه كثير التدليس والتسوية، [«التقريب» (٧٥٠٦)]. الثانية: عقبة وهو ابنُ عبد الله الأصم الرفاعيُّ العبديُّ البصريُّ: ضعيفٌ وربَّما دلَّس، [«التقريب»*(٤٦٧٦)]. وقد ضعَّف الألبانيُّ هذه الزيادةَ كما في«سُبُل السلام»*بتعليقاته عليه (٢/ ٢٠٠) حيث قال:*«هذه الزيادةُ ضعيفةٌ؛ لأنها مِنْ رواية عقبة بنِ الأصمِّ عن ابنِ بريدة؛ وهو عقبة بنُ عبد الله الأصمِّ: ضعيفٌ، كما في*«التقريب»».



* * *



الفتوى رقم: ١١٦١



الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية

7- في حكمِ مَنْ ذَبَح ليلةَ العيد

السؤال:

يَعْمِد بعضُ المُضحِّين إلى ذبحِ الأضحية ليلةَ العيد خشيةَ زحمةِ الناس على الجزَّارين والقصَّابين؛ معلِّلين بأنَّ الدين يُسْرٌ، والله تعالى رَفَع الحرجَ، فهل يصحُّ هذا الفعلُ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ نَقَل ابنُ المنذر وغيرُه إجماعَ العلماء على أنَّ الأضحية لا يجوز ذبحُها قبل طلوع الفجر مِنْ يوم النحر وهو يوم العيد(١)، وعليه فلا يختلف العلماء في عدمِ إجزاء الأضحية في ذلك الوقت، بل تُعَدُّ شاتُه شاةَ لحمٍ ذَبَحها لنفسه ويقدِّمها لأهله؛ لحديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما مرفوعًا:*«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ»(٢)، والتعليلُ الوارد في السؤال لا يصيِّرها نُسُكًا في شيءٍ؛ لأنَّ الأضحية عبادةٌ محدَّدةٌ بوقتٍ مُيسَّرٍ للجميع؛ فلا يجوز ـ*بحالٍ*ـ العدولُ عنه.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر: ٠٢ رمضان ١٤٣٤ﻫ

الموافق ﻟ: ١١ جويلية ٢٠١٣م

*
(١)*انظر:*«الإجماع»*لابن المنذر (٥٦)،*«شرح مسلم»*للنووي (١٣/ ١١٠).

(٢)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في*«الأضاحي»*بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي بُرْدة رضي الله عنه:*«ضَحِّ بالجَذَع مِنَ المعز، ولن تَجْزِيَ عن أحَدٍ بعدك»*(٥٥٥٦)، ومسلمٌ في*«الأضاحي»*(١٩٦١)، مِنْ حديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما.

 وصلى الله على نبينا محمد على آله و صحبه و سلم 


منقول من منتدى التصفية و التربية

عن الكاتب

منهاج السلف

التعليقات


اتصل بنا

مدونة علمية تهتم بنشر العلم الشرعي الصحيح ، منهجها هو منهج أهل السنة والجماعة على فهم سلف الأمة

جميع الحقوق محفوظة

مدونة منهاج السلف